الحلقة (73) الأحاديث القدسية الصحيحة الصريحة – حرف الهاء (1-2)
الحديث الأول: عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضحك فقال: «هل تدرون مم أضحك»؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «من مخاطبة العبد ربه؛ يقول: يا رب! ألم تُجِرْني من الظلم؟! قال: يقول: بلى. قال: فيقول: فإني لا أُجيز على نفسي إلا شاهدا مني. قال: فيقول: كفى بنفسك اليومَ عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا. قال: فيُختم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي. قال: فتنطق بأعماله. قال: ثم يُخَلَّى بينه وبين الكلام. قال: فيقول: بُعْدًا لَكُنَّ وسحقا؛ فعَنْكُنَّ كنت أُنَاضِلُ»(1) .
الحديث الثاني: عن عبد الله بن عمرو بن العاصي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء والمهاجرون، الذين تُسَدُّ بهم الثغور، ويُتَّقَى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاءً. فيقول الله -عز وجل- لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيُّوهم. فتقول الملائكة: نحن سُكَّانُ سمائك، وخيرتك من خلقك؛ أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؟! قال: إنهم كانوا عبادا يعبدوني لا يشركون بي شيئا، وتسد بهم الثغور، ويتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء. قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار»(2) .
الحديث الثالث: عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: «هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صَحْوًا»؟ قلنا: لا. قال: «فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما». ثم قال: «يُنادي منادٍ: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون. فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بَرٍّ أو فاجر، وغبرات من أهل الكتاب، ثم يُؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله. فيقال: كذبتم؛ لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا. فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم. ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم؛ لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا. فيتساقطون في جهنم حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر. فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟! فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا. قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا؟! فلا يكلمه إلا الأنبياء. فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق. فيَكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا، ثم يؤتى بالجسرِ فيجعل بين ظهري جهنم». قلنا: يا رسول الله! وما الجسر؟ قال: «مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد، يقال لها: السعدان، المؤمن عليها كالطرف، وكالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل، والركاب، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يُسحب سحبا، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار، وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم؛ يقولون: ربنا! إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله –تعالى-: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان؛ فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه، فيُخرجون من عرفوا ثم يعودون، فيقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار؛ فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا ثم يعودون، فيقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان؛ فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا». قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني؛ فاقرؤوا: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا). «فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امْتُحِشُوا، فيُلْقَوْن في نهر بأفواه الجنة يقال له: ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان منها إلى الظل كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه» (3) .
(1) أخرجه مسلم: كتاب الزهد والرقائق (2969).
(2) أخرجه أحمد (6570)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3183).
(3) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) (4581)، باب يوم يكشف عن ساق (4919)، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة) (7439)، مسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية ( 183)، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار (184، 185).